بين العاقل و المجنون !
قصة قصيرة لسعودى الطهطاوى : (بين العاقل و المجنون !)
ذهب الى هناك بمحض ارادته او بغير ارادته فهو بحاجة للذهاب اليها وفى امس الحاجة للتخلص من اخيه ظنا منه ان فى ذلك راحة له ولاخيه , منذ الصباح الباكر وهو ينازع العذاب فى مملكته الابدية فما اشد الالم فى حياة بلا هوية ! احمد شاب فى الثلاثينات من العمر يحيا هو واخويه ووالدتهم فى منزل بائس بالف مسكن شاءت الاقدار باذن باريها ان تسلب عقل اخيه الاصغر عوض ومنذ ذلك الحين اكتست قلوب الاخوة بالسواد واتشحت والدتهم بالبؤس وفداحة المصاب فى عزيزهم, كان شابا يافعا فطنا حنونا رفيقا بوالدته ولمصلحة اخويه رغم انهم يكبرونه سنا يقظا كثير العمل كثير الرزق انيق الملبس حلو اللسان وحسن الجواب كانت هى هذه صفات عوض قبل ثلاث سنوات كما يروق لام عوض وصف عزيزها لكل من تجالسه للوهلة الاولى او الثانية او لاى وهلة تلقى فيها اناس يتحدثون عن المال والبنون او العقل والجنون ! اليوم الاثنين بداية الشهر الميلادى وهو الميعاد المقرر لصرف علاج عوض من مستشفى الصحة النفسية بالعباسية وكالعادة احمد متواجد الان مع امه واخيه عوض , هاهى الساعة تقترب من العاشرة والشمس تغمر هذا المكان المسمى بالاستراحة والعدد ليس بالقليل ام ان الظل ليس بالكثير ليغمر المكان ريثما تسكن الابدان حتى يقضى لكل من له حاجة حاجته ! انه من العسير ان تميز فى هذه اللحظة بين من يجلس الى جوارك او من عن يمينك او يسارك او من يجلس خلفك ,انت على حذر وقلق عظيم , كيف تقضى هذه اللحظات العجاف ! هل تتحدث مع اى شخص ! هل تصمت ! هل تبتعد عن المكان فيفوتك سماع اسمك من قبل موظف الامن او من التمرجية ! ام انك تتجاهل وجودك ووجود من حولك فلا تسمع ولا ترى ولا تتكلم ! لقد اختار احمد ان يتكلم ويمزح ايضا وها هو يسمع صوت من يشدو ويغنى بلا لحن ويجعل من طبقات صوته ارق كمان ( عليك سلام الله ..... يارسول الله ...عليك سلام الله .... ياحبيب الله عليك سلام الله ..... يانور عرش الله ...الله عليك سلام الله ياخاتم رسل الله الله ..........) رجل توسد الارض واسند ظهره الى السور الخارجى للمستشفى وبسط يديه بالتصفيق ومد رجليه فى اتساع غريب ! واخذ ينتقل من المديح الجميل الى غيره فى حب النبى العدنان ؛ اشار اليه احمد بالسبابة والوسطى وهو يضعهم على فمه ليفهم الاخر انه يريد واحدة من السجائر ! فقام الاخر بدوره بالاشارة الى احمد ان اقبل فاقترب احمد من الرجل ودار بينهم الحوار التالى : احمد : السلام عليكم يا عمنا الرجل : صلى الله على محمد صلى الله عليه وسلم تابع الرجل الانشاد ولم يرد السلام احمد : فين السجاير يا عم الحج الرجل : افتح فمك ! افتح فمك ! وبالفعل فتح فمه وهو بعيد عن الرجل بمقدار متر ليكرر الرجل : افتح فمك ! ثم يلقى الرجل بواحدة السجائر طالبا منه ان يتلقفها بفمه ولكن دون جدوى فلم تبلغ السيجارة فم احمد اذا انه كلما القاها سقطت ع الارض فيعود وياخذها ثم يكرر المحاولة مرة اخرى لقد اجرى الرجل المحاولة ولم تفلح مرات كثيرة كفيلة بان ترسم صورة الاثنين بريشة افضل فنان بين القاء السيجارة وفم احمد الفاغر ! فلما تابع الحضور هذا المشهد ضحكوا بملء فيهم وعلا ضجيجهم ووسط هذا لم يكف الرجل من القاء السيجارة فى الهواء ولكن ليس لاحمد هذه المرة بل لنفسه هو العجيب ان ترى السيجارة تلتقط كالحب تماما كما ترى الطائر يتلقف حبات الذرة من الارض فلم نرى طائر يلتقف الحب والحب فى الهواء بين السماء والارض كما رائينا سيجارة احمد التى شحذها من الرجل الذى لا استطيع ان اقول عنه مجنون . فهناك لحظات تمر علينا لاندرى فيها من منا عاقل ومن منا اعتراه الجنون اللهم احفظنا !
بقلم : سعودى الطهطاوى
ذهب الى هناك بمحض ارادته او بغير ارادته فهو بحاجة للذهاب اليها وفى امس الحاجة للتخلص من اخيه ظنا منه ان فى ذلك راحة له ولاخيه , منذ الصباح الباكر وهو ينازع العذاب فى مملكته الابدية فما اشد الالم فى حياة بلا هوية ! احمد شاب فى الثلاثينات من العمر يحيا هو واخويه ووالدتهم فى منزل بائس بالف مسكن شاءت الاقدار باذن باريها ان تسلب عقل اخيه الاصغر عوض ومنذ ذلك الحين اكتست قلوب الاخوة بالسواد واتشحت والدتهم بالبؤس وفداحة المصاب فى عزيزهم, كان شابا يافعا فطنا حنونا رفيقا بوالدته ولمصلحة اخويه رغم انهم يكبرونه سنا يقظا كثير العمل كثير الرزق انيق الملبس حلو اللسان وحسن الجواب كانت هى هذه صفات عوض قبل ثلاث سنوات كما يروق لام عوض وصف عزيزها لكل من تجالسه للوهلة الاولى او الثانية او لاى وهلة تلقى فيها اناس يتحدثون عن المال والبنون او العقل والجنون ! اليوم الاثنين بداية الشهر الميلادى وهو الميعاد المقرر لصرف علاج عوض من مستشفى الصحة النفسية بالعباسية وكالعادة احمد متواجد الان مع امه واخيه عوض , هاهى الساعة تقترب من العاشرة والشمس تغمر هذا المكان المسمى بالاستراحة والعدد ليس بالقليل ام ان الظل ليس بالكثير ليغمر المكان ريثما تسكن الابدان حتى يقضى لكل من له حاجة حاجته ! انه من العسير ان تميز فى هذه اللحظة بين من يجلس الى جوارك او من عن يمينك او يسارك او من يجلس خلفك ,انت على حذر وقلق عظيم , كيف تقضى هذه اللحظات العجاف ! هل تتحدث مع اى شخص ! هل تصمت ! هل تبتعد عن المكان فيفوتك سماع اسمك من قبل موظف الامن او من التمرجية ! ام انك تتجاهل وجودك ووجود من حولك فلا تسمع ولا ترى ولا تتكلم ! لقد اختار احمد ان يتكلم ويمزح ايضا وها هو يسمع صوت من يشدو ويغنى بلا لحن ويجعل من طبقات صوته ارق كمان ( عليك سلام الله ..... يارسول الله ...عليك سلام الله .... ياحبيب الله عليك سلام الله ..... يانور عرش الله ...الله عليك سلام الله ياخاتم رسل الله الله ..........) رجل توسد الارض واسند ظهره الى السور الخارجى للمستشفى وبسط يديه بالتصفيق ومد رجليه فى اتساع غريب ! واخذ ينتقل من المديح الجميل الى غيره فى حب النبى العدنان ؛ اشار اليه احمد بالسبابة والوسطى وهو يضعهم على فمه ليفهم الاخر انه يريد واحدة من السجائر ! فقام الاخر بدوره بالاشارة الى احمد ان اقبل فاقترب احمد من الرجل ودار بينهم الحوار التالى : احمد : السلام عليكم يا عمنا الرجل : صلى الله على محمد صلى الله عليه وسلم تابع الرجل الانشاد ولم يرد السلام احمد : فين السجاير يا عم الحج الرجل : افتح فمك ! افتح فمك ! وبالفعل فتح فمه وهو بعيد عن الرجل بمقدار متر ليكرر الرجل : افتح فمك ! ثم يلقى الرجل بواحدة السجائر طالبا منه ان يتلقفها بفمه ولكن دون جدوى فلم تبلغ السيجارة فم احمد اذا انه كلما القاها سقطت ع الارض فيعود وياخذها ثم يكرر المحاولة مرة اخرى لقد اجرى الرجل المحاولة ولم تفلح مرات كثيرة كفيلة بان ترسم صورة الاثنين بريشة افضل فنان بين القاء السيجارة وفم احمد الفاغر ! فلما تابع الحضور هذا المشهد ضحكوا بملء فيهم وعلا ضجيجهم ووسط هذا لم يكف الرجل من القاء السيجارة فى الهواء ولكن ليس لاحمد هذه المرة بل لنفسه هو العجيب ان ترى السيجارة تلتقط كالحب تماما كما ترى الطائر يتلقف حبات الذرة من الارض فلم نرى طائر يلتقف الحب والحب فى الهواء بين السماء والارض كما رائينا سيجارة احمد التى شحذها من الرجل الذى لا استطيع ان اقول عنه مجنون . فهناك لحظات تمر علينا لاندرى فيها من منا عاقل ومن منا اعتراه الجنون اللهم احفظنا !
بقلم : سعودى الطهطاوى
مواضيع ومقالات مشابهة